بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم :
التوبة هى بداية الطريق الى الله
يقول الله وتعالي في سورة الزمر - تلك السورة التي أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرؤها كل ليلة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) وقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وجاء رجل - كما ورد في مسند الإمام أحمد - إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم: شيخ كبير يداعم علي عصا له فقال: يا رسول الله، إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ فقال صلي الله عليه وسلم: (ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: بلي وأشهد أنك رسول الله . قال صلي الله عليه وسلم: قد غفر لك غدراتك وفجراتك
. إن الله سبحانه وتعالي في هذه الآية الكريمة يفتح أبواب مغفرته ورحمته علي مصارعها، إنه يرجي عباده حتى لا ييأس أحد من رحمته . (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) والجو الإسلامي كله مفعم بفتح أبواب المغفرة والرحمة . . فالحج المبرور مثلاً يخرج الإنسان من ذنوبه، حتي يصبح في البراءة منها، كيوم ولدته أمه . ومن صام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، والإسلام يجب ما قبله . وهذه الآيات الكريمة من سورة الزمر، تبدأ ببيان رحمة الله الواسعة، ومغفرته الشامله، ثم تأخذ في رسم الطريق لذلك، فيقول الله سبحانه: (وأنيبوا إلي ربكم، وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) والطريق إذن إلي مغفرة الله ورحمته إنما هو التوبة الخالصة النصوح، وهي الإنابة إلي الله سبحانه، أي التوبه في أسمي درجاتها، وإسلام الوجه لله سبحانه . (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) وأحسن ما أنزل إلينا من ربنا هو القرآن الكريم - إنه: (يهدي للتي هي أقوم) وهو مهيمن علي غيره، مبين للحق فيما يختلف فيه أهل الكتب السماوية . ثم يتلو ذلك آيات ثلاث تبين موقف الإنسان الذي لم يتب، أو الذي تاب ولم يتبع: (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى
جنب الله وان كنت لمن الخاسرين
أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) أو تقول حين تري العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) وكل ذلك لا يجدي، والرد عليه حاسم من قبل الله سبحانه الحكيم العليم: (بلي: قد جاءتك آياتي فكذبت بها وإستكبرت وكنت من الكافرين) ويبين الله حالة هؤلاء يوم القيامة:
(ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مثوي للمتكبرين) . لا شك أن فيها مثوي للمتكبرين، مثوي يختلف ويتفاوت بإختلاف درجاتهم في الكبرياء والمعاصي وتفاوتهم فيها . ويختم الله سبحانه هذه الآيات التي ترسم المنهج وتبين المآل والمصير، ببيان مآ ومصير الذين تابوا واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم، فيقول سبحانه: (وينجي اله الذين إتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السوء، ولا هم يحزنون) . لا يأس يقول الله تعالي: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) إن من علامات صدق الإيمان الثقة المطلقة في الله سبحانه وتعالي، في رحمته، في رأفته، في عدالته، في لطفه، في عنايته بالمؤمن، ورعايته له . الثقة برحمة الله وفرجه حتي ولو كانت كل الشواهد تدل علي أن لا أمل، ولو كانت كل الظروف تشعر بالضيق . والآية الكريمة التي نحن بصددها تشرح ذلك في إيجاز واضح، وفي جمال بليغ، إنه سبحانه ينزل الغيث في الوقت الذي يظن المحتاجون أن لا أمل في قطرة ماء وينشر رحمته في الأجواء اليائسة القانطة، فينقلب الجدب خضرة يانعة، ويصير القحط روضات وجنات، وذلك أن من صفاته سبحانه أنه ولي للمؤمن، حميد في جميع تصرفاته . إنه يتولي برحمته من حقق العبودية، وأفعاله سبحانه جميدةدائماً لأنه سبحانه حميد .
وهذ الصورة من الإيمان الواثق بفرج الله ورحمته هي التي عبر عنها سيدنا يعقوب عليه السلام قائلاً لبنيه: (يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلاالقوم الكافرون) وهي التي تجعل المؤمنين يلجئون إلي الله دائماً بالدعاء والتضرع فيستجيب الله لهم كلما أخلصوا وجههم له: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) والله الرحيم هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وصلة الله سبحانه وتعالي بالإنسان صلة رحمة ورأفة . ورحمته سبحانه وتعالي تتجلي في كل ما أسداه سبحانه لعباده من هذه النعم المادية التي لا تحصي: (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها) ولكنها تتجلي في أجمل مظاهرها في قواعد الهداية التي أحبها الله لعباده، والتي يدور عليها درجة سموهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهي نعمة منبثقة رأساً من رحمة الله يقول سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (إنما أنا رحمة مهداه) ورحمة الله في الهداية أجلي عند أولي الألباب من رحمته في النعم المادية، وذلك أن رحمته في الهداية نتيجتها لمن يتبعوها الأمن والطمأنينة والرضاء والسكينة . وهذه الأكمور هي السعادة التي يسعي لها من وفقهم الله للسير علي هداه . وهداية الله إذا تبعها الأفراد سعدوا في دنياهم وأخراهم، وإذا تبعها الجماعات أمنوا علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعاشوا أعزة بالله وبدينهم . وهداية الله للأفراد ليست آراء تخطئ وتصيب، وليست قوانين تظهر التجربة الخطأ فيها والصواب . وإنما هي العصمة الكاملة، لأنها تنزيل من حكيم خبير . ولقد ضمن الله سبحانه وتعالي لكل من يلتزمها أن يشملع برعايته، فلا يقع في غمرة الحزن والخوف، وإنما يسير في نور من توفيق الله، وفي أمن من حمايته: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) وبعد: فإن الله سبحانه وتعالي
سمي نفسه بالرحمن، وبالرحيم، وأمرنا أن نستفتح أعمالنا ب(بسم الله الرحمن الرحيم) . وإن من رحمة الإنسان بنفسه أن يلجأ إلي رحمة الله الكبري، وهي هديه سبحانه، فيستظل في ظل دوحتها النضرة وهي القرآن الكريم . فينعم من وراء ذلك بمرضاة الله وبحمايته . (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل علي الله فهو حسبه) . التجئ إلي الله يقول الله تعالي: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله، والله هو الغني الحميد) إن من أجمل ما يفسر هذه الآية الكريمة الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، والذي كان أبو إدريس الخولاني رضي الله عنه يرويه كثيراً، وكان حينما يرويه يجثو رضي الله عنه علي ركبتيه إحتراماً وتقديساً للحديث، ثم يبدأ في ذكره .
عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالي أنه قال: يا عبادي: إني حرمت الظلم علي نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته، فإستهدوني أهدكم . يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته، فإستطعموني أطعمكم . يا عبادي: كلكم عار إلا من كسوته، فإستكسوني أكسكم . يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فإستغفروني أغفر لكم . يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أتقي قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المحيط إذا دخل البحر . يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فيحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
وما من شك في أن الإنسان - في كل أحواله - فقير إلي الله . إنه فقير إلي الله فقراً مطلقاً في الناحية المادية علي إختلاف أنواعها . (فلينظر الإنسان إلي طعامه، إنا صببنا الماء صباً، ثم شققنا الأرض شقاً، فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضباً، وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غلباً، وفاكهةً وأباً، متعاً لكم ولأنعامكم) (أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاماً) (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون) والإنسان فقير إلي الله في هدايته الروحية: وإننا لنردد كل يوم مرات عديدة (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين) والذين أنعم الله عليهم هم الذين إتبعوا هديه، وعملوا به وإلتزموه . وهدي الله سبحانه وتعالي يتضمنه القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة . وإذا كان فقر الإنسان إلي الله في الجانب المادي فقراً مطلقاً فإن فقره إلي الله في الجانب الروحي فقر مطلق أيضاً . وبعد: فيقول صاحب كتاب التحبير: (وإغناء الله عباده علي قسمين): فمنهم من يغنيه بتنمية أمواله وهم العوام - وهو غني مجازي - ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله وهم الخواص - وهو الغني الحقيقي - لأن إحتياج الخلق إلي همة صاحب الحال، أكثر من إحتياجهم إلي لقمة صاحب المال . إن الله يحب التوابين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
انا نبى التوبة والواقع أن الطريق إلي الحق الذي أرسل الله به رسولة إنما يبدأ بالتوبة الخالصة النصوح . ولقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعيش في جو من التوبة مستمر، ولقد روي عنه أنه كان يقول ما معناه: (يا أيها الناس توبوا إلي الله وإستغفروه، فإني أتوب إليه وزستغفره في اليوم مائة مرة) وما كانت توبة رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذنب، وحاشاه صلي الله عليه وسلم وهو المعصوم . وما كانت توبته صلي الله عيه وسلم عن غفلة، كلا وحاشاه صلوات الله وسلامه عليه، وإنما كانت توبته توبة عبادة، وتوبة عبودية . ومن أجل ذلك كان يكثر منها عبادة وعبودية، وكان يكثر منها ليكون في داخل الإطار الذي رسمه الله سبحانه وتعالي بقوله: (إن الله يحب التوابين) والتوابون: هم الذين يكثرون من التوبة . وللتوبة الصادقة خصائص: أنها أولا تخرج حظ الشيطان من القلب، فيصبح طاهراً بريئاً من كل دنس، وهذا هو المغزي العميق من وراء الجدل والمماراه في حادث شق الصدر، وما من شك في أن المغزي الذي نأخذه من حادث شق الصدر واستخراج حظ الشيطان منه هو الطهارة الكاملة للصدر . ونشأ رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ بواكير حياته مطهراً نقياً، وأول خصائص الوبة إذاً إنما هي الطهارة والبراءة التامة . وإذا أخذنا شق الصدر بالنسبة للرسول صلي الله عليه وسلم بمثابة التوبة بالنسبة
السلام عليكم :
التوبة هى بداية الطريق الى الله
يقول الله وتعالي في سورة الزمر - تلك السورة التي أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرؤها كل ليلة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) وقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وجاء رجل - كما ورد في مسند الإمام أحمد - إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم: شيخ كبير يداعم علي عصا له فقال: يا رسول الله، إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ فقال صلي الله عليه وسلم: (ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: بلي وأشهد أنك رسول الله . قال صلي الله عليه وسلم: قد غفر لك غدراتك وفجراتك
. إن الله سبحانه وتعالي في هذه الآية الكريمة يفتح أبواب مغفرته ورحمته علي مصارعها، إنه يرجي عباده حتى لا ييأس أحد من رحمته . (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) والجو الإسلامي كله مفعم بفتح أبواب المغفرة والرحمة . . فالحج المبرور مثلاً يخرج الإنسان من ذنوبه، حتي يصبح في البراءة منها، كيوم ولدته أمه . ومن صام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، والإسلام يجب ما قبله . وهذه الآيات الكريمة من سورة الزمر، تبدأ ببيان رحمة الله الواسعة، ومغفرته الشامله، ثم تأخذ في رسم الطريق لذلك، فيقول الله سبحانه: (وأنيبوا إلي ربكم، وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) والطريق إذن إلي مغفرة الله ورحمته إنما هو التوبة الخالصة النصوح، وهي الإنابة إلي الله سبحانه، أي التوبه في أسمي درجاتها، وإسلام الوجه لله سبحانه . (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) وأحسن ما أنزل إلينا من ربنا هو القرآن الكريم - إنه: (يهدي للتي هي أقوم) وهو مهيمن علي غيره، مبين للحق فيما يختلف فيه أهل الكتب السماوية . ثم يتلو ذلك آيات ثلاث تبين موقف الإنسان الذي لم يتب، أو الذي تاب ولم يتبع: (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى
جنب الله وان كنت لمن الخاسرين
أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) أو تقول حين تري العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) وكل ذلك لا يجدي، والرد عليه حاسم من قبل الله سبحانه الحكيم العليم: (بلي: قد جاءتك آياتي فكذبت بها وإستكبرت وكنت من الكافرين) ويبين الله حالة هؤلاء يوم القيامة:
(ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مثوي للمتكبرين) . لا شك أن فيها مثوي للمتكبرين، مثوي يختلف ويتفاوت بإختلاف درجاتهم في الكبرياء والمعاصي وتفاوتهم فيها . ويختم الله سبحانه هذه الآيات التي ترسم المنهج وتبين المآل والمصير، ببيان مآ ومصير الذين تابوا واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم، فيقول سبحانه: (وينجي اله الذين إتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السوء، ولا هم يحزنون) . لا يأس يقول الله تعالي: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) إن من علامات صدق الإيمان الثقة المطلقة في الله سبحانه وتعالي، في رحمته، في رأفته، في عدالته، في لطفه، في عنايته بالمؤمن، ورعايته له . الثقة برحمة الله وفرجه حتي ولو كانت كل الشواهد تدل علي أن لا أمل، ولو كانت كل الظروف تشعر بالضيق . والآية الكريمة التي نحن بصددها تشرح ذلك في إيجاز واضح، وفي جمال بليغ، إنه سبحانه ينزل الغيث في الوقت الذي يظن المحتاجون أن لا أمل في قطرة ماء وينشر رحمته في الأجواء اليائسة القانطة، فينقلب الجدب خضرة يانعة، ويصير القحط روضات وجنات، وذلك أن من صفاته سبحانه أنه ولي للمؤمن، حميد في جميع تصرفاته . إنه يتولي برحمته من حقق العبودية، وأفعاله سبحانه جميدةدائماً لأنه سبحانه حميد .
وهذ الصورة من الإيمان الواثق بفرج الله ورحمته هي التي عبر عنها سيدنا يعقوب عليه السلام قائلاً لبنيه: (يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلاالقوم الكافرون) وهي التي تجعل المؤمنين يلجئون إلي الله دائماً بالدعاء والتضرع فيستجيب الله لهم كلما أخلصوا وجههم له: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) والله الرحيم هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وصلة الله سبحانه وتعالي بالإنسان صلة رحمة ورأفة . ورحمته سبحانه وتعالي تتجلي في كل ما أسداه سبحانه لعباده من هذه النعم المادية التي لا تحصي: (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها) ولكنها تتجلي في أجمل مظاهرها في قواعد الهداية التي أحبها الله لعباده، والتي يدور عليها درجة سموهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهي نعمة منبثقة رأساً من رحمة الله يقول سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (إنما أنا رحمة مهداه) ورحمة الله في الهداية أجلي عند أولي الألباب من رحمته في النعم المادية، وذلك أن رحمته في الهداية نتيجتها لمن يتبعوها الأمن والطمأنينة والرضاء والسكينة . وهذه الأكمور هي السعادة التي يسعي لها من وفقهم الله للسير علي هداه . وهداية الله إذا تبعها الأفراد سعدوا في دنياهم وأخراهم، وإذا تبعها الجماعات أمنوا علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعاشوا أعزة بالله وبدينهم . وهداية الله للأفراد ليست آراء تخطئ وتصيب، وليست قوانين تظهر التجربة الخطأ فيها والصواب . وإنما هي العصمة الكاملة، لأنها تنزيل من حكيم خبير . ولقد ضمن الله سبحانه وتعالي لكل من يلتزمها أن يشملع برعايته، فلا يقع في غمرة الحزن والخوف، وإنما يسير في نور من توفيق الله، وفي أمن من حمايته: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) وبعد: فإن الله سبحانه وتعالي
سمي نفسه بالرحمن، وبالرحيم، وأمرنا أن نستفتح أعمالنا ب(بسم الله الرحمن الرحيم) . وإن من رحمة الإنسان بنفسه أن يلجأ إلي رحمة الله الكبري، وهي هديه سبحانه، فيستظل في ظل دوحتها النضرة وهي القرآن الكريم . فينعم من وراء ذلك بمرضاة الله وبحمايته . (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل علي الله فهو حسبه) . التجئ إلي الله يقول الله تعالي: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله، والله هو الغني الحميد) إن من أجمل ما يفسر هذه الآية الكريمة الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، والذي كان أبو إدريس الخولاني رضي الله عنه يرويه كثيراً، وكان حينما يرويه يجثو رضي الله عنه علي ركبتيه إحتراماً وتقديساً للحديث، ثم يبدأ في ذكره .
عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالي أنه قال: يا عبادي: إني حرمت الظلم علي نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته، فإستهدوني أهدكم . يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته، فإستطعموني أطعمكم . يا عبادي: كلكم عار إلا من كسوته، فإستكسوني أكسكم . يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فإستغفروني أغفر لكم . يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أتقي قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المحيط إذا دخل البحر . يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فيحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
وما من شك في أن الإنسان - في كل أحواله - فقير إلي الله . إنه فقير إلي الله فقراً مطلقاً في الناحية المادية علي إختلاف أنواعها . (فلينظر الإنسان إلي طعامه، إنا صببنا الماء صباً، ثم شققنا الأرض شقاً، فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضباً، وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غلباً، وفاكهةً وأباً، متعاً لكم ولأنعامكم) (أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاماً) (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون) والإنسان فقير إلي الله في هدايته الروحية: وإننا لنردد كل يوم مرات عديدة (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين) والذين أنعم الله عليهم هم الذين إتبعوا هديه، وعملوا به وإلتزموه . وهدي الله سبحانه وتعالي يتضمنه القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة . وإذا كان فقر الإنسان إلي الله في الجانب المادي فقراً مطلقاً فإن فقره إلي الله في الجانب الروحي فقر مطلق أيضاً . وبعد: فيقول صاحب كتاب التحبير: (وإغناء الله عباده علي قسمين): فمنهم من يغنيه بتنمية أمواله وهم العوام - وهو غني مجازي - ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله وهم الخواص - وهو الغني الحقيقي - لأن إحتياج الخلق إلي همة صاحب الحال، أكثر من إحتياجهم إلي لقمة صاحب المال . إن الله يحب التوابين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
انا نبى التوبة والواقع أن الطريق إلي الحق الذي أرسل الله به رسولة إنما يبدأ بالتوبة الخالصة النصوح . ولقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعيش في جو من التوبة مستمر، ولقد روي عنه أنه كان يقول ما معناه: (يا أيها الناس توبوا إلي الله وإستغفروه، فإني أتوب إليه وزستغفره في اليوم مائة مرة) وما كانت توبة رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذنب، وحاشاه صلي الله عليه وسلم وهو المعصوم . وما كانت توبته صلي الله عيه وسلم عن غفلة، كلا وحاشاه صلوات الله وسلامه عليه، وإنما كانت توبته توبة عبادة، وتوبة عبودية . ومن أجل ذلك كان يكثر منها عبادة وعبودية، وكان يكثر منها ليكون في داخل الإطار الذي رسمه الله سبحانه وتعالي بقوله: (إن الله يحب التوابين) والتوابون: هم الذين يكثرون من التوبة . وللتوبة الصادقة خصائص: أنها أولا تخرج حظ الشيطان من القلب، فيصبح طاهراً بريئاً من كل دنس، وهذا هو المغزي العميق من وراء الجدل والمماراه في حادث شق الصدر، وما من شك في أن المغزي الذي نأخذه من حادث شق الصدر واستخراج حظ الشيطان منه هو الطهارة الكاملة للصدر . ونشأ رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ بواكير حياته مطهراً نقياً، وأول خصائص الوبة إذاً إنما هي الطهارة والبراءة التامة . وإذا أخذنا شق الصدر بالنسبة للرسول صلي الله عليه وسلم بمثابة التوبة بالنسبة
لنا فإننا نقول: إن من خصائص التوبة حينما تتكرر في صدق وإخلاص أن تملأ القلب سكينة، لأن الإنسان بالتوبة الصادقة يلقي بنفسه في الرحاب الإلهي فيسكن إلي الله وكفي بالله هادياً وكفى بالله نصيراً . إن التوبة - وهي نوع من اللجوء إلي الله، والتضرع إليه، والإنابة - يسلم الأمر إلي الله . وفي التوبة تسليم، وفي التوبة توحيد، وفي التوبة توكل علي الله، فيمتلئ القلب سكينة . وإذا كانت الأحاديث النبوية الشريفة تقول عن شق الصدر في المرة الأولي: (إن الملكين إستخرجا حظ الشيطان من القلب الشريف) فإنها تقول عن شق الصدر في المرة الثانية: (إن الملكين ملآ قلبه الشريف سكينة) وتتكرر التوبة فتصل إلي ما عبرت عنه الأحاديث الشريفة عن شق الصدر الشريف في المرة الثالثة وذلك أن الملكين ملآ القلب الشريف حكمة . وكذلك الأمر في التوبة إذا دامت . . ثم أنها إذا تكررت إنتهت بحب الله للعبد المكثر من التوبة (إن الله يحب التوابين)