الرئيس محمد حسني مبارك رجل حكيم.
جمع فى جملة واحدة مفاهيم واقعية كثيرة.
"مصر ليست بحاجة لبطل قومي"
قالها الرئيس مبارك ردا على سؤال أحد الصحفيين فى ألمانيا عن ترشيح الدكتور البرادعي .
نعم يا سيادة الرئيس صدقت وأجملت. الحقيقة أن مصر لا تحتاج إلى بطل قومي ولا منقذ على طريقة المهدي المنتظر.
مصر لا تحتاج لصلاح دين جديد ولا عبد الناصر جديد.
لم يعد يمكن لرجل واحد مهما كانت قدراته أن يصلح فساد سنوات وسنوات من القهر والتخلف والتبعية والإهانة و السكوت عن كون مصر أم الدنيا فى ذيل الأمم.
لم يعد ممكنا حتى لصلاح الدين نفسه أن يعيد للمواطن كرامته التى أصبحت إهانتها شيئا عاديا وممارسة يومية فى الشارع والعمل والمواصلات والمخابز وأقسام الشرطة.
لم يعد ممكنا لأي بطل قومي أن يعيد للمواطن المصري صوته الذي أخرس لسنوات وسنوات تحت سياط الخوف على لقمة الخبز المسرطنة والخوف من الذهاب بلا رجعة إلى ما وراء الشمس. وحتى الحائط الذى كان على المواطن أن (يمشي جانبه) أصبح يخاف منه بعد أن اصبح للحائط (ودان).
لم يعد ممكنا إعادة مصر وشعبها إلى الحياة إلا إذا تذكر كل مواطن أنه له صوتا غيبه الخوف وأن له لسانا علاه الصدأ وأنها مسؤليته وحده أن يفتح فمه ويصرخ ولا ينتظر بطلا قوميا يصرخ نيابة عنه. وإلا تحول هذا البطل القومي إلى جلاد جديد وقائد ملهم وقصة مكررة لعشرات المنقذين والأبطال القوميين الذين جاؤا ليحكموا بلادنا ويحرروها من المحتل فإذا بهم يقتلون من شعوبنا أكثر وأبشع مما قتل الاحتلال.
جاء للعبيد فى أمريكا بطلا قوميا خاض حروبا لتحريرهم ولإصدار قوانين تحريم الرق. لكن الكثير من العبيد قرروا العودة لأسيادهم وفضلوا البقاء فى العبودية لأنهم لا يعرفون كيف يعيشون أحرارا!.
فالأجيال التى ولدت وعاشت سنوات حياتها فى العبودية أجيالا تجهل أبسط معاني الحرية . والإنسان عدو ما يجهل (واللي نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش)
والطب النفسي يؤكد أنه بعد فترة من القهر والتعذيب تنشأ علاقة غريبة بين الجاني وبين الضحية لا يستطيع فيها الضحية ممارسة حياته (الطبيعية) إلا بجانب الجاني وتحت سطوته
وهناك قصة شهيرة فى أمريكا الآن عن رجل خطف فتاة وظل يغتصبها ويعذبها وجعلها تعيش فى خيمة فى فناء منزله وأنجبت منه أولادا وظلت تعيش معه 18 عاما دون أن تحاول الهرب أو إبلاغ الشرطة.
فالمقاومة تموت بعد شهور ليحل محلها حالة من الاستسلام والرضا بالواقع وتنشأ تلك العلاقة النفسية الغريبة بين الجاني والضحية والتي أنكرت أنها مخطوفة أو مغتصبة عندما جاءت الشرطة لباب البيت لإنقاذها وحاولت أن تنقذ جلادها حتى تعود حياتها لمسارها (الطبيعي).
والشعوب مثلها مثل الأفراد. بعد فترة من القهر تستسلم لجلاديها وترفض أي محاولة لتغيير الواقع وربما تطلق بعض النكات هنا وهناك عن جلاديها لكنها ستحمي جلادها إذا تطلب الأمر وستبكي إذا أصابه أي مكروه.
قتل (المجاهد) صدام حسين ونظامه الآلاف من الأبرياء ما بين عراقيين وإيرانيين ومصريين وكويتيين. قهر شعبا صنع حضارة وأدبا وشعرا و دولة من أكبر دول العالم العربي والإسلامي. حطم جيشا كان له ترتيب عالمي متقدم فى حروب عشوائية. شنق العلماء والشعراء وأطلق أولاده وحاشيته كمافيا فى الشوارع تعتقل و تقتل المعارضين بلا محاكمة و تغتصب النساء وتجبر الرجال على تطليق زوجاتهم الجميلات ليتزوجهن كلاب القصر. مارس العقاب الجماعي على مناطق بأكملها وضرب شعبه بغاز الأعصاب والطائرات . وعندما شرب من نفس الكأس وأعدم بكت عليه الشعوب المقهورة و جعلوا منه بطلا قوميا ورمزا لأمة أصبحت مثل هذه الفتاة الضحية الأمريكية التى تغتصب كل يوم وتقف على باب البيت تكذب على الشرطة لتحمي جلاديها. وليس هذا تبريرا لحرب العراق و لكنه مثالا عايشناه فى عصرنا وكيف أن الأمة قضت عيدا (حزينا) حزنا على صدام!!.
مصر لا تحتاج إلى بطل قومي بالتأكيد.
مصر تحتاج إلى جيل جديد لم يتربى على إعلام صفوت الشريف ولم يقف فى حر الشمس بالساعات يهتف بالروح بالدم نفديك يا زعيم. مصر تحتاج إلى جيل جديد لا يعتبر إهانته على يد أمين شرطة شيئا عاديا يجب السكوت عليه ولا يعتبر تزوير صوته فى الانتخابات قدرا يجب أ ن يحدث.
مصر تحتاج إلى الجيل الحالي. الجيل الذي يعرف أخبار العالم من الإنترنت وليس من القناة الأولى. الجيل الذي فتحت له ثورة الاتصالات والإعلام الفرصة لرؤية شعوب تعرف معنى الحرية ولا تخاف منها. الجيل الذى يريد أن تكون شوارع مصر بنظافة شوارع أوروبا وانتخاباتها بنزاهة انتخابات أمريكا.
مصر تحتاج إلى الجيل الحالي الذي لم يخف من سطوة الأمن وخرج ليقابل البرادعي فى المطار. مصر تحتاج إلى الجيل الحالي الذي لا يخاف أن يعقد انتخابات ظل على الإنترنت ولا يخاف أن يكتب آراءه فى مدونة حتى ولو قرأها شخص واحد فقط فهو لا يهمه من يقرأها ولكن يهمه أنه مارس حريته وعبر عن رأيه مثله مثل أي شاب فى أي دولة حرة حتى ولو أدى به الأمر إلى محاكمة عسكرية.
المهدي المنتظر والبطل القومي الحقيقى هو كل مواطن مصري يرفض أن تظل مصر على هذه الحالة من الهوان فى كل المجالات رغم أنها تملك القوة البشرية فى ملايين من الشباب والقوة العقلية فى آلاف من النوابغ المصريين فى كل أنحاء العالم والقوة المادية فى موارد مصر المنهوبة وثرواتها الطبيعية المعطلة والغير مستثمرة.
الآباء المؤسسون لأمريكا عرفوا أنه لا تقدم لأمريكا إلا بدستور يضمن سيادة القانون وتداول السلطة. دستور يضمن للمبدع أن يبدع دون أن يحول لمحاكمة عسكرية أو يصادر إبداعه ويضمن للسياسي أن يعارض دون أن يعتقل أو يلقى عاريا فى الطريق الصحراوي ويضمن للمتدين أن يتدين دون أن ينتهك أحد حقوقه ويضمن للتاجر أن يتاجر دون أن يفرض أحد عليه إتاوة و يضمن لكل مواطن حصانة من أن يراقب هاتفه أو تصادر أمواله أو يعتقل إلا بإذن من قاض منتخب من الشعب وليس معينا من الدولة وبعد استيفاء كل الشروط القانونية.
وبعد أن أرست أمريكا قواعد الدستور لم يعد مهما من يحكم ولم تحتاج أمريكا لبطل قومي فالكل يعمل وفق الدستور الذي يحدد عدد فترات الرئاسة وينظم العلاقة بين الشعب والحكومة ويضمن الحقوق الأساسية لكل مقيم على أرض أمريكا حتى ولو كان مقيما غير شرعي.
وحتى عندما جاء رئيس سئ للرئاسة مثل بوش كان الدستور كفيلا بعدم تحوله لديكتاتور فبند تحديد عدد فترات الرئاسة كان كفيلا بإخراجه هو ومجانين الحرب من أتباعه من سدة السلطة و حدثت عملية تبادل السلطة فى سلام وبدون ثورات أو دماء.
والمتابع لأحوال مصر يعرف أن الوضع يسير نحو التغيير بلا محالة على يد هذا الجيل والأجيال التى تليه وهناك سنة كونية لا تتغير ولا تتبدل وهى "دوام الحال من المحال" وساعتها لا يهم إن كان الرئيس هو البرادعي أو حتى حسن شحاتة. فالرئيس سيكون (موظف) عند الشعب وله سلطات يحددها دستور كتبه شعب مصر وليس جلاديه وعليه واجبات يحاسب عليها من أصغر مواطن فى مصر.
سيكون رئيسا يخدم شعبا كتب دستورا جديدا بدأه بجملة
"بسم الله .
نحن شعب مصر.لقد خلقنا الله أحرارا ً ولم يخلقنا تراثا ً ولا عبيدا
فوالله الذى لا إله إلا هو لن نورث ولا نستعبد بعد اليوم " .
بقلم: د.أحمد غانم-