محاسبة النفس
محاسبةالنفس هو طريق استقامتها، وكمالها، وفلاحها، وسعادتها ...
يقول الله تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
و قال تعالى وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَافُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَندَسَّاهَا .
* وفي الحديث عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: {الكيّس من دان نفسه،وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني} رواه الإمام أحمد والترمذي .
* وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا،فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزيّنوا للعرض الأكبريَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{الحاقة:18}
* ونقل ابن القيم عن الحسن أنه قال: ( المؤمن قوّام على نفسه يحاسب نفسه لله ، وإنما خفّ الحسابيوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة علىقوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة )..
* وكتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عادأمره إلى الرضى والغبطة ، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامةوالخسارة ) [أخرجه البيهقي في الوهد وابن عساكر].
في هوة الذل كان فيها قطع مدته *** فوافت النفس سعيها كما سلفا
انواع محاسبة النفس :
قال ابن القيم رحمه الله ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده
فالنوع الأول : الذي هو قبل العمل فهو:
أن يقف عند أول همه وإرادته، ولايبادر بالعمل حتى يتبين له رجحان العمل به على تركه، قال الحسن رحمه الله: ( رحمالله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر) .
النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذيينبغي. ثم يحاسب نفسه هل قام بطاعة الله على وجه يرضي الله تعالى أم قصر بذلك ؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد، لِمَ فعله؟ وهل أراد به وجه الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوتهالظفر به.
منافع محاسبة النفس :
(1) الإطلاع على عيوب النفس ومن لم يطلع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالتها.
(2) المحاسبة توجب للإنسان أن يمقت نفسه في جانب حق الله عليه، وهذه كانت حالسلف الأمة، كانوا يمقتون أنفسهم في مقابل حق الله عليهم.
* روى الإمام أحمد عن أبيالدرداءأنهقال: ( لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً) .
* وقال أبوبكر الصديق رضي الله عنه: ( من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته)
(3) ومن ثمار محاسبة النفس إعانتها على المراقبة ، ومعرفة أنه إذا إجتهد بذلك فيمحياه إستراح في مماته، فإذا أخذ بزمامها اليوم وحاسبها إستراح غداً من هول الحساب.
(4) ومن ثمارها أنها تفتح للإنسان باب الذل والإنكسار لله ، والخضوع له والإفتقارإليه.
(5) ومن أعلى ثمارها الربح بدخول جنة الفردوس وسكناها ، والنظر إلى وجه الربالكريم سبحانه ، وإن أهمالها يعرض للخسارة ودخول النار ، والحجب عن الله وصَلَىالعذاب الأليم.
اضرار ترك محاسبة النفس :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأضر ما عليه: الإهمال، وترك المحاسبة والإسترسال ، وتسهيل الأمور وتمشيتها ، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور ، يغمض عينيه عن العواقب ويمشي الحال ويتكل على العفو ، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأَنِس بها ، وعسر عليه فطامها ، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطاموترك المألوف والمعتاد.
فاتقوا الله ، وحاسبوا أنفسكم ، فإن صلاح القلب وسلامته بمحاسبة النفس ، وفساده وعطبه بإهمال النفس والإسترسال في ملذاتها ، وشهواتها وإهمال ما به كمالها ،فاحذروا ذلك تُعِزُّوا أنفسكم وتسعدوا عند لقاء ربكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .