الطفيل بن عمرو الدوسي
هذه كلمات يسيرة في ترجمة سيد من سادات العرب في الجاهلية والإسلام وحكيم من حكمائهم وشاعر من شعرائهم إنه سيد دوس الطفيل بن عمرو، فقد كان مطاعا في قومه، شاعرا لبيبا شريفا كثير الضيافة، قدم مكة أول الدعوة.
نسبه:
الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسي وقيل هو ابن عبد عمرو بن عبد الله بن مالك بن عمرو بن فهم لقبه ذو النور.(1)
إسلامه(2):
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب.(3)
وممن حذرته قريش صاحبنا -رضي الله عنه- فها هو يروي لنا كيف أسلم فيقول: كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل إنك امرؤ شاعر سيد مطاع في قومك وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا فإنه يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وزوجه وبين المرء وأبيه فوالله ما زالوا يحدثونني في شأنه وينهونني أن أسمع منه حتى قلت والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني.
قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً في المسجد قال: فقمت منه قريباً وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز والله إني امرؤ ثبت ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها والله لأستمعن منه فإن كان أمره رشداً أخذت منه وإن كان غير ذلك اجتنبته فقلت بالكرسفة فنزعتها من أذني فألقيتها ثم استمعت له فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به. قال: قلت في نفسي يا سبحان الله؟ ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن منه ولا أجمل. قال: ثم انتظرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انصرف فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له: يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا كذا وكذا فأخبرته بالذي قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول وقد وقع في نفسي أنه حق وإني شاعر فاسمع ما أقول. فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: هات.فأنشدته. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: وأنا أقول فاسمع. ثم قرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص:1) إلى آخرها و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق:1) إلى آخرها و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1) إلى آخرها وعرض علي الإسلام فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت.
تهديد قريش له:
وبعد إسلامه بلغ ذلك قريشا فهددوه وتوعدوه وذكَّرهم بأنه سيد دوس وأنهم لو تعرضوا له فلن تتركهم دوس فهابوه فقال -رضي الله عنه- :
على الشنآن والعضب المرد
تعالى جده عن كل ند
دليلُ هدى ومُوضحُ كلِّ رشد
بأن سبيله يهدي لقصد
وأعلى جده في كل جد
فإن مقاله كالغر يعدي
سمعت مقالة كمشور شهد
ومبدل طالعي نحسي بسعدي
وفاز محمد بصفاء ودي(4)
دعوته قومه:
قال -رضي الله عنه- : قلت يا رسول الله إني أرجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع وأنا داعيهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال: "اللهم اجعل له آية تعينه على ما ينوي من الخير".
قال: فخرجت حتى أشرفت على ثنية أهلي التي تهبطني على حاضر دوس. قال: وأبي هناك شيخ كبير وامرأتي ووالدتي قال: فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نوراً يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط من الثنية. فقلت: اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم فتحول في رأس سوطي فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم(5).
لذا كان كان لقبه ذا النور.
قال: فأتاني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني قال: وما ذاك يا بني؟ قال: فقلت: أسلمت واتبعت دين محمد. فقال: أي بني فإن ديني دينك قال: فأسلم وحسن إسلامه ثم أتتني صاحبتي فقلت إليك عني فلست منك ولست مني. قالت: وما ذاك بأبي وأمي أنت! قلت: أسلمت واتبعت دين محمد فلست تحلين لي ولا أحل لك. قالت: فديني دينك قال: قلت فاعمدي إلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهري وتعالي. قال: ففعلت ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها.(6)
وهنا نلاحظ كيف أنه -رضي الله عنه- وقد قطع تلك المسافة الطويلة من مكة إلى بلده على جمل ومع ذلك بدأ بالدعوة إلى الله تعالى قبل أن يرتاح ويلقي تعب السفر ووعثاءه عنه فهم القوم صدقوا الله تعالى فصدقهم.
قال -رضي الله عنه-: ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبت علي وتعاصت ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله غلب على دوس الزنا والربا فادع الله عليهم فقال: " اللهم اهد دوساً "(7).
ثم رجعت إليهم. قال: وهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب وسبقتني بدر وأحد والخندق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة فكنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح الله مكة.
هدمه أحد أصنام مشركي العرب:
وبعد فتح مكة في السنة الثامنة بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعث رسله لهدم الأصنام وحرقها وممن بعثه صاحبنا -رضي الله عنه- قال -رضي الله عنه-:
فقلت يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكَفَّين صنم عمرو بن حُمَمَة الدوسي - وهو الصنم الذي كان يعبده في الجاهلية - حتى أحرقه قال: أجل فاخرج إليه فحرقه قال: فخرجت حتى قدمت عليه. قال: فجعلت أوقد النار وهو يشتعل بالنار واسمه ذو الكفين وأنا أقول:
ميلادنا أكبر من ميلادكا
قال فلما أحرقته أسلموا جميعا.
نستفيد هنا أنه - رضي الله عنه- طلب أن يهدم صنم قومه بيده نصرة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام.
تعلمه القرآن:
فقد قرأ القرآن على أبي بن كعب رضي الله عنهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.(9)
ومن بركاته -رضي الله عنه- ما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- (اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ) (10)
وفاته:
لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وارتد مَن ارتد مِن العرب عن دين الله تعالى واتفاق الصحابة على قتال المرتدين وبدأ أمير المؤمنين أبو بكر -رضي الله عنه- ببعث الجيوش لقتالهم كان صاحبنا -رضي الله عنه- ممن ذهب لقتال مسيلمة الكذاب وخرج معه ابنه عمرو قال -رضي الله عنه-: حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروها قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها وكان ابني يطلبني طلباً حثيثاً فحيل بيني وبينه. قالوا: خيراً . فقال: أما أنا والله فقد أولتها؛ أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن أقتل شهيداً وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا (11).
فقتل الطفيل -رضي الله عنه- شهيداً يوم اليمامة وقطعت يد ابنه، ثم استبل وصحت يده. فبينا هو عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذ أتي بطعام فتنحى عنه، فقال عمر: مالك لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: واللّه لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فواللّه ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك. ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقتل شهيداً (12) -رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا وإياهم في زمرة سيد المرسلين نبينا محمد والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
(1) طبقات ابن سعد 4/237 ثقات ابن حبان 3/203 تاريخ دمشق25/11 الاستيعاب 1/228 الإصابة 2/66
(2) نحوه عند البيهقي في دلائل النبوة (2108) وأبي نعيم في دلائل النبوة (186) وفي معرفة الصحابة (3500) سيرة ابن هشام 1/382 المنتظم 1/469 عيون الأثر 1/184 سير أعلام النبلاء 1/345 البداية والنهاية 3/123 سبل الهدى والرشاد 2/417
(3) دلائل النبوة للأصبهاني 1/312 سيرة ابن هشام 1/382 الوفاء بأحوال المصطفى 1/206 الاكتفاء للكلاعي1/272
(4) الوافي بالوفيات 16/264 الإصابة 2/67 سبل الهدى والرشاد 2/418
(5) ابن سعد 4/238 والبيهقي في دلائل النبوة (2108) وأبو نعيم في دلائل النبوة (186) وفي معرفة الصحابة (3500)وابن عساكر في التاريخ 25/12
(6) المراجع السابقة والاستيعاب 1/230 المنتظم 1/469 سير أعلام النبلاء 1/345
(7) روى البخاي (2720) ومسلم (4586) عن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: َقدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ --صلى الله عليه وسلم-- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ قَالَ (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ).
(رواه ابن عساكر في التاريخ 25/12والأزرقي في أخبار مكة 1/131 نحوه انظر: طبقات ابن سعد 2/157سيرة ابن هشام 1/385 أسد الغابة 2/ 41 عيون الأثر 1/185 الاستيعاب 1/230 زد المعاد3/495 المقتفى من سيرة المصطفى 1/212 الإصابة 2/66 سبل الهدى والرشاد 6/210
(9) رواه حنبل بن إسحاق في الفتن (42) وابن عساكر في تاريخ دمشق 25/8
(10) رواه مسلم (167)
(11) البيهقي في دلائل النبوة (2108) وأبو نعيم في دلائل النبوة (186) وفي معرفة الصحابة (3500) وانظر: أسد الغابة 2/41 التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (1861)
(12) رواه ابن سعد في الطبقات4/240والحاكم (5133) وابن عساكر في تاريخ دمشق 25/13 وانظر: كنز العمال 13/554 المنتظم 2/469 الإصابة 2/196
موقع المسلم