[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في رحاب مدينةالرسول
المدينة المنورة، مدينة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم)، اختارها اللّه تبارك وتعالى، وجهة لهجرة نبيه ومنطلقاً للرسالة المحمدية، فيها أقام (صلّى اللّه عليه وسلّم)، إلى أن أدّى مهمته، وبلغ رسالته، ثم لحق بالرفيق الأعلى ومنها يبعث (صلّى اللّه عليه وسلّم) يوم القيامة شفيعاً في أُمته.
زيارة النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، في مدينته، مقصد عظيم، تهفو إليه القلوب، وتسعَد به الأرواح، لاسيّما في هذه الأيام المباركة، التي نتنسم فيها نفحات شهر ذي الحجة. فالرسول الكريم هو الرحمة المهداة للعالمين والشفيع العظيم للبشرية كلها، ويثرب هي المدينة التي تنوَّرت برسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وارتفعت مكانتها. فمنها انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ليعمّ النور والسلام والطمأنينة والأمن، أرجاء المعمورة كلها. وقد حباها اللّه سبحانه وتعالى، بفضائل لا تُحصى، وخصّها بكرامات لا تُعد ولا تحصى ، وهذه المدينة المنورة قد شرفها اللّه تبارك وتعالى، بأن ذكرها في القرآن الكريم، صراحة أكثر من مرة، منها قوله تعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولها من الأعراب، أن يتخلفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} - “التوبة/120”. وهي المقصودة في قوله تعالى: {وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} - “الإسراء/80”. فمدخل الصدق هو المدينة المنورة، وقد قدَّمها اللّه عز وجل، مع أنّ المخرج مُقدَّم على المدخل، ولكن اللّه عز وجل قدمها لشرفها وعظمتها. وقال تعالى: {والذين تبوأوا الدار} - “الحشر/9”. ولا خلاف على أن الدار هي المدينة، لأن الاستقرار فيها، وهي المقصودة أيضاً، في قوله تعالى: {لَنُبوئنهم في الدنيا حسنة} - “النحل/41”. قيل هي المدينة.
وقد ذكر العلماء أن المدينة المنورة، لها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى، فذكر العلماء أن لها أكثر من ستة وعشرين اسماً، ومن أسمائها المدينة وطابة، ففي الحديث الصحيح، أنّ اللّه سمَّى المدينة طابة، وهي طيبة أيضاً، وكل شيء فيها طيب ببركة النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وطيبة سمّاها بها رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وهي إمّا من الطيب، أي الرائحة الحسنة، وإمّا من طيب العيش فيها، يعني أنّ اللّه سبحانه وتعالى، يجعل عيشة مَن عاش فيها عيشة طيبة. ومن أسمائها الطيبة والمحبَّبة والمحبة والحبيبة والمحبوبة والمسكينة، وهو إما من السكينة، وإما من المسكنة، ومن أسمائها أيضاً الجابرة والمجبورة والمرحومة، والعذراء والقاسمة، لأنها قسّمت الجبابرة، وهي دار السُّـنَّـة ودار الهجرة.
فضائل لا تُعدُّ
وللمدينة فضائل كثيرة، لا نستطيع حصرها. فقد أُنشئ أصل مسجدها على يد سيد المرسلين، واشترك معه في ذلك المهاجرون والأنصار، خيار هذه الأُمة، وفي ذلك من مزيد الشرف على غيره ما لا يخفى، واشتماله على بقعة هي خير بقاع الأرض بالإجماع، وهي الموضع الذي ضم أعضاء النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وقد حكى الإجماع في ذلك القاضي عياض، وقال بعضهم في ذلك: جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها.
كما أن الصلاة في مسجد النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم) تربو على الصلاة في غيره بألف صلاة، على ما جاء في الصحيحين في حديث أبي هريرة، قول النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في ما سواه، إلاّ المسجد الحرام”. قال الإمام النووي، وهذا التفضيل يعمّ الفرض والنفل كمكة.
من فضائل المدينة أيضاً، تخصيصها بالبقعة التي بين القبر والمنبر، ففي الصحيح عن النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة”. وفي لفظ “ما بين بيتي ومنبري”، وفي لفظ الطبراني “ما بين حجرتي ومصلاي”. وقبره (صلّى اللَّه عليه وسلّم) في بيته، وهو حجرة عائشة (رضي اللّه عنها)، وقد قال العلماء إن هذا الموضع بعينه، الذي بين القبر الشريف والمنبر، ينقل إلى الجنة، وقيل إن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة.
ومن فضائل المدينة، أن اللّه تعالى عوّض قاصدها عن الحج والعمرة بأمرين: أما الحج، فقد روى ابن الجوزي بإسناد عن أبي أُمامة، أن رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) قال: “مَن خرج على طهر لا يريد إلاّ صلاة في مسجدي، حتى يصلي فيه، كان بمنزلة حجة”. وأما العمرة، فبزيارة مسجد قباء، وفي الصحيح: “صلاة في مسجد قباء كعمرة”. وفي الصحيح عن ابن عباس (رضي اللّه عنهما) قال: “كان رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين”.
ومن فضائل المدينة المنورة، أنها يُستحب المجاورة بها، لِمَا يحصل في ذلك من نيل الدرجات، ومزيد الكرامات، كما ذكر ذلك الإمام النووي، كما يُستحب للمسلم الانقطاع، إذا استطاع الإنسان، ليحصل له الموت بها، فعن ابن عمر (رضي اللّه عنهما) قال: قال رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “مَن استطاع أن يموت في المدينة، فليمُت بها فإني أشفع لِمَن يموت بها” - رواه الترمذي. وفي معجم الطبراني، من حديث قاسم ابن حبيب، عن عبدالملك بن عباد بن جعفر قال: سمعت رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) يقول: “أوَّل مَن أشفع له من أُمتي أهل المدينة، ثم أهل مكة، ثم أهل الطائف”، أخرجه البزار في مسنده.
وقد كان المهاجرون إلى المدينة يكرهون أن يموتوا بغيرها، ويسألون اللّه عز وجل، أن يتوفاهم بها، ففي صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب (رضي اللّه تعالى عنه)، أنه كان يقول: “اللَّهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك”. وفي رواية “ارزقني شهادة في سبيلك وموتاً في حرم نبيك”، وقد استجاب اللّه دعاء سيدنا عمر (رضي اللّه عنه)، واستشهد في صلاة الفجر، في مسجد النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم).
ومن فضائل المدينة، أن اللّه، سبحانه وتعالى، منع الدجّال من دخول المدينة، إكراماً وتعظيماً لها. والدجال، كما هو معلوم لدى المسلمين، يظهر آخر الزمان، وصحّت فيه أحاديث كثيرة، فهذا الدجّال عندما يظهر ليفتن الناس ويضلّهم، لا يدخل المدينة، كما لا يدخل مكة أيضاً. وفي الصحيحين من حديث أنس مرفوعاً: “إنّ الدجال لا يطأ مكة ولا المدينة، وأنه يجيء حتى ينزل في ناحية المدينة فترجف ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق”. وفي رواية البخاري عن أبي بكر (رضي اللّه عنه)، عن النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “لا يدخل المدينة رعب المسيخ الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان”. وفي رواية مسلم، أن رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) قال: “يأتي المسيخ من قِبَل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دُبر أُحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قِبَل الشام، وهناك يهلَك”. وفي الصحيحين: “ليس من بلد إلاّ سيطؤه الدجال، إلاّ مكة والمدينة”.
ومن فضائل المدينة ومناقبها، أن الطاعون لا يدخل المدينة، وهذا من خصائصها أيضاً، وفي الصحيحين، في حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال”.
ومن فضائل المدينة، أنها كالكير في إزالة الخبَث، يعني لا يبقى فيها إلاّ الصالحون والمخلصون، ففي الصحيحين حديث جابر: “إنّ أعرابياً بايع النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم) على الإسلام، فأصابه وعك في المدينة، فقال: يا محمد أقلّني بيعتي: فأبى رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وخرج الأعرابي وترك المدينة، فقال رسول اللّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها وينصع طيبها”. وأقلني يعني اعفني، يريد الأعرابي أن يترك المدينة، لأنه قد كان قد بايع النبي على الهجرة والجلوس معه والجهاد، فلمّا أصابه شيء من المرض، أراد أن يترك المدينة، والنبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم) كان يأبى رحمة به. وقد قضى اللّه تعالى، بأن مكة والمدينة، لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين، إلى أن يرث اللّه الأرض ومَن علها، كما أن اللّه، سبحانه وتعالى، قد تكفَّل بحفظ وحماية أهل المدينة من كل سوء، ومن كل شر، فلا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلاّ أذابه اللّه، سبحانه وتعالى، في النار ذوب الرصاص وذوب الملح في الماء، كما ثبت في الحديث الصحيح. وقد حكى لنا التاريخ عن جبابرة أرادوا المدينة بسوء، أهلكهم اللّه تعالى، كمسلم بن عقبة، وغيره من الذين حاولوا إلحاق الأذى بأهل المدينة.
ومن فضائل المدينة وخصائصها، تحريم صيدها وشجرها على الحال والمحرم، مثل مكة، خلافاً لأبي حنيفة، لقول النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم): “إنّ إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، طرفيها، لا يقطع عضدها ولا يُصاد صيدها”. ومن فضائل أهل المدينة، وجود البركة في صاعهم ومدهم ومكيالهم، لأن النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم) دعا لهم بالبركة.
هذه كلها فضائل للمدينة المنورة، على ساكنها أفصل الصلوات والتسليم، وعلى المسلم المحب للّه ورسوله المتمسك بهدى اللّه، والمتتبع لسُّـنَّـة النبي، إذا ذهب إلى المدينة المنورة، أوّل ما يبدأ أن يكون مغتسلاً، وعلى طهارة، ثم يدخل مسجد النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، فيصلي ركعتين، تحيّة المسجد، إذا كان في غير وقت الفريضة. أما إذا دخل ووجدهم يصلون الفريضة، فليصل الفريضة، ثم بعد ذلك يتجه إلى القبر الشريف، ويُسلِّم على النبي، وكما قال العلماء، يستقبل القبر الشريف، ويستدبر القبلة، نص على ذلك الإمام النووي، وكتب المالكي والأحناف، كلها تأمر المسلم، أن يقف بأدب وخشوع ووقار، أمام النبي (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، ويقول السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا خير خلق اللّه، ويقول ما شاء من الثناء على الرسول (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، ثم لابأس إن قرأ قول اللّه تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول} - “النساء/64”.