كل عام وانتم بخير وكل رمضان وانتم بنعمه من الله ورضوان .
يُطلَقُ اسمُ “ رمضان “ على الشهر التاسع من أشهر السنة الهجرية ، و هو ـ كما جاء في دائرة المعارف الإسلامية ـ مشتقٌ من الفعل “ رمض “ إذا احترق ، و الرمضاء شدة الحر ... و سُمَّي بذلك للارتماض من حر الجوع و العطش الذي يحل بالصائم فيه ، و قال بعضهم إنما سُمَّي “ رمضان “ لأنه يرمض الذنوب
و يحرقها بالأعمال الصالحة .. و قيل أيضاً : لأن القلوب تأخذ فيه الموعظة و التفكير في أمر الحياة الآخرة كما تأخذ رمال الصحارى الأشعة و الحرارة من الشمس ، كما قيل أيضاً : إن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في “ رمضان “ ... أي يدقونها و يشحذونها بين الحجارة استعداداً للحرب في “ شوَّال “ قبل أن تهل عليهم الأشهر الحرم حيث يتوقف القتال فيها . و “ رمضان “ هو الشهر الوحيد الذي ذكره الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم من بين شهور السنة الإثني عشر ، و في أكثر من آية كريمة ، و فيه حدث العديد من الأحداث العظيمة في التاريخ .. “ كغزوة بدر الكبرى “ التي وقعت في السنة الثانية للهجرة و حقق فيها المسلمون انتصاراً باهراً ، و “ فتح مكة “ الذي حدث في السنة الثامنة للهجرة ... و الذي كان له كبير الأثر في توحيد كلمة العرب و صفوفهم ، و غزو “ موسى بن نصير “ الثغور الجنوبية للأندلس في رمضان عام 91 هجرية ... و الذي كان مقدمة لفتح الأندلس بكاملها في العام التالي من قبل “ طارق بن زياد “ , و استيلاء الخليفة العباسي الأول “ أبي العباس عبد الله الملقب بالسفاح “ على دمشق في رمضان سنة ( 134 ) هجرية ، و قتال السلطان “ صلاح الدين الأيوبي “ الإفرنج في سورية و بلاد الشام و انتصاره الشهير عليهم في معركة حطين ... و تحريرها منهم في رمضان سنة ( 584 ) هجرية ، و أخيراً حرب تشرين عام 1973 بين سورية و مصر من جهة و إسرائيل من جهة ثانية ... و التي حدثت في رمضان أيضاً . و قد امتاز هذا الشهر عن بقية شهور العام قبل الإسلام و بعده ، ففيه نزلتْ “ صحف إبراهيم الخليل “ عليه السلام ، كما نزلت “ التوراة “ على “ موسى “ ... و “ الإنجيل “ على “ عيسى “ عليهما و على نبينا الصلاة و السلام ، و هو ... أي رمضان من أحب الشهور إلى الله سبحانه و تعالى ، قال ابن الجوزي في كتابه بستان الواعظين : “ مثل الشهور الإثني عشر كمثل يعقوب و أولاده ، فكما أنَّ يوسف أحبُّ أولاده إليه ... كذلك فإن رمضان أحب الشهور إلى الله تعالى “ ، و قد خصَّه بهذه المنزلة لأسباب كثيرة .. لعل أهمها الآتي : 1- نزول القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك . 2- وقوع ليلة القدر فيه . 3- كثرة العبادة فيه و الإقبال على طاعة الله . 4- كثرة التعاطف و التآلف و التحابب فيه بين الناس . 5- صيام المسلمين شهراً بكامله ... هو شهر رمضان . و الصوم عبادة قديمة لعلها بدأتْ منذ عهد “ آدم .. أو نوح .. أو إبراهيم “ عليهم السلام بدلالة الآية الكريمة : ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) . و قد ذكر “ الإنجيل “ الصوم و امتدحه و اعتبره واحدة من العبادات الكبرى ، كما عرف الوثنيون الصوم ، و كان قدماء المصريين أيام “ الفراعنة “ يصومون ... و عنهم انتقل إلى اليونان و الرومان ، و مازال الوثنيون في الهند يصومون حتى يومنا هذا ، كما عرفته بعض العقائد الأخرى “ كالبراهمة و المجوس و الصابئة و البوذيين و أهل الملل الذين يعبدون الحيوان أو النبات “ . و في “ التوراة “ نرى أن الصوم قد فُرض بعض الأيام في بعض المناسبات ، حيث كان من مظاهر تقشف القوم لباسهم المسوح على أجسادهم ... و نثرهم الرماد على رؤوسهم .. و تركهم أيديهم غير مغسولة . أما الإسلام فقد اعتبر الصوم واحداً من أركانه الخمسة الذي لا يتم دين المسلم إلا به ، و لا يكمل إلا بأدائه ، فهو ... أي الإسلام ـ و كما يعلم الجميع ـ قد بُني على خمس فرائض أو قواعد و هي(شهادة أنَّ لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ـ إقام الصلاة ـ إيتاء الزكاة ـ صوم رمضان ـ حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) و هكذا نزلت الآية الكريمة واضحة بشان الصوم ... قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون . أياماً معدوداتٍ .. فمن شهد منكم الشهر فليصمه . و من كان مريضاً أو على سفر فعدَّةٌ من أيام أخر . يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر و لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم .. لعلكم تشكرون ) صدق الله العظيم . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “ الصيام جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يصخب .. إلخ الحديث الشريف “ ، و هكذا نرى أن لهذا الصوم شروطاُ و آداباً ، و هو ليس الكف عن الطعام و الشراب و نحوهما من الأمور التي تتعلق بالجسد و متطلباته ، و لا بالتقشف الظاهري .. و إنما هو حياة روحانية يزينها الذكر و البر و الإحسان و الفكر و التخلُّق بمكارم الأخلاق و صيام أعضاء الجسد جميعاً عما حرَّم الله بدءاً بالعين و اللسان .. مروراً بالأُذُن و البطن عن تناول الحرام أو المشكوك فيه .. و انتهاء باليد و الرجل ، و قد شُرع في السنة الثانية للهجرة . تلك هي فكرةٌ موجزة عن شهر رمضان .. و تعريفٌ مبسَّطٌ به . - 2 – و رمضان ـ كما يعلم الجميع يزورنا مرة كل عام ، فيوشح العالمين العربي و الإسلامي بردائه السَّماوي العطر ،كل عام وانتم بخير.
منقول