تفسير ..هام ..من القرأن الكريم عن الرضاعه..و مايتعلق بالوالدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المعنى العام الآيات (15 ـ 25)
(ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً ... ) .
وينتقل القرآن من الحديث عن الاستقامة إلى الحديث عن الإحسان إلى الوالدين ، والتذكير بفضل الأُم وإحسـانها بشكل خاص .. فالإحسان إلى الوالدين ، تعبير عن أصدق مصاديق الاستقامة السلوكية التي دعا اليها القرآن في الآية السابقة .. والإحسان إلى الوالدين أساس لبناء الحياة الأسرية والاجتماعية المستقرّة ، كما انّها أساس للتربية الأخلاقية القائمة على القاعدة الأخلاقية السامية التي ثبّتها القرآن بقوله : (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان... ) ، ومَنْ أولى بإحسان الإنسان ومعروفه من والديه ، ومن اُمِّه التي حملته في بطنها ، وغذّته من دمها ، وأرضعته من ثديها ، ومنحته حبّها وقلبها ..
لقد حملته كُرهاً ، حملته بمشقة ومعاناة ، ووضعته كُرهاً ، ولدته بمشقّة ومعاناة الطلق والولادة الصّعبة .. أليس من حقِّها أن يحسن إليها ، ويزيد في الإحسان ..
جاء رجل إلى رسول الله ، فقال : «يا رسول الله مَنْ أبرّ ؟ قال: (أمّك) ، قال: ثم مَنْ ؟ قال : (أمّك) ، قال: ثمّ مَنْ ، قال : (أمّك) ، قال: ثمّ مَنْ ؟ قال: (أباك ) »(2) .
وفي هذه الآية يتحدّث القرآن عن مسألة علمية وتشريعية، وهي تحديد أقل مدّة للحمل والولادة حيث قال : (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) .
حدّدها بستة أشهر ، وذلك باستثناء مدّة الرضاع التي حدّدها القرآن بسنتين في آية أخرى ، قال تعالى : (وفصاله في عامين ) لقمان/ 14 ، وقال تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين ) البقرة/ 233 .
* * *
ثم انتقل من الحديث عن الحمل والرضاعة إلى الحديث عن الإنسان القدوة في العلاقة مع الله، ومع والديه ومع ذرِّيته .. بعد أن بلغ الأربعين سنة ، التي يبلغ الإنسان فيها كمال العقل والرشد والتجربة في الحياة .. يعرضه قدوة في قوله وسلوكه : إذ يقول بصيغة الدعاء والتوسّل إلى الله سبحانه : (ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذرِّيتي إنِّي تبتُ إليك وإنِّي من المسلمين ) .
ففي هذه الآية يعلِّم القرآن الإنسان أن يطلب من الرب سبحانه أن يلهمه الشكر على ما أنعم ، فانّ حق المنعم أن يُشكَر .. ويسترسل السياق القرآني بالدعاء بالتوفيق لفعل الصالحات وهداية الأبناء .. الجيل الجديد ليتعامل مع ما ورث من الآباء من عقيدة الحق ، ومنهج الهدى وسبيل الرشاد .
ثم تختم الآية بالإقرار بالتوبة ، والعودة إلى الله والإسلام له ، وحده لا شريك له .
وهكذا تنتظم في هذه الآية معاني الشكر والحبّ والوفاء للآباء والأبناء ، والتزام التوبة، والعودة إلى الله وسيلة لتصحيح المسار ، وإعادة بناء الذات ، كما تنتظم الآية الإقرار بالطاعة والعبودية لله وحده .. لقد استحقّ أصحاب هذا القول المشفوع بالعمل أن يتقبّل الله سبحانه احسن ما عملوا من عمل ، ويتجاوز عن إساءتهم ، كما تجاوز سبحانه عمّن استحقوا عفوه الجنان ، بما وعدهم من جزاء في عالم النعيم .
* * *
وبعد أن تحدّث القرآن عن الإنسان الصالح الذي تعامل مع والديه بالخير والسلوك السويّ ، انتقل إلى الحديث عن صنف آخر من الأبناء الذين يتعاملون مع آبائهم بالإساءة والتمرّد والعصيان ، مصوِّراً ذلك بقوله تعالى : (والّذي قال لوالديه أفّ لكما... ).
إنّه يعرض صورة من صور الحوار بين الآباء والأبناء .. الآباء الذين ملأت قلوبهم الشفقة والرحمة بأبنائهم ، والحرص على هدايتهم وصلاحهم .. والابن المتمرِّد الذي يجهل الحقيقة ، ويتخبّط في الحياة ، فيزجر والديه ، ويتطاول عليهما ويتأفّف منهما ، ويستهزئ بما يدعوانه إليه من الهدى والإيمان .. ويصوِّره خرافات وأساطير ، وأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء ، مستدلاًّ بالقرون الماضية ، التي هلك أهلها ، ولم يبعثوا .. انّه التصوّر الجاهلي المشترك بين العقول الالحادية على مرّ العصور .. لقد نسي أنّ الذي خلقه من نطفة ، وبدأ خلق الإنسان من تراب الأرض بقادر على أن يحيي المـوتى ، وان لهم موعداً للبعث والجزاء .. انّ أصحاب هذا القول استحقوا غضب الله وعقابه ، كما استحقته أمم من قبلهم من الجن والإنس ، فخسروا أنفسهم وآخرتهم ، وكان جزاؤهم جهنم وبئس المصير ..
* * *
وبعد أن يعرض القرآن هاتين الصورتين .. صورة المؤمن الشاكر الذي يدعو لوالديه بالهـداية والإصلاح ويقرِّر نفسه بالتوبة والطاعة .. وصورة الملحد المتمرِّد على الحق ، الساخر بوالديه ، وبدعوة الحق .. بعد ان يعرض هاتين الصورتين كنموذجين متكرِّرين في حياة المجـتمع على امتداد الأجـيال ، يوضِّح أنّ لكل إنسان درجات ممّا عمل يوم القيامة ، وانّه يوفّى جزاء عمله كاملاً غير منقوص ، ولا يظلم الله أحداً من الناس .. فهو الحاكم العدل ، المنزّه عن ظلم العباد .. (ولا يظلم ربّك أحداً ) .
بعد هذا العرض ينتقل القرآن للحـديث عن الكافرين والعصاة يوم يعرضـون على النار ويرون العذاب ، فيذكّرون بما أنعم الله عليهم في الحياة الدنيا من متع الحياة ، من القوة والمال والسلطة .. فأساؤوا التصّرف بها ، واستعملوها في المعصية والجريمة ، ولم يكونوا من الشاكرين الذين يجـعلون نعم الله في الطاعـة وكسب الآخرة .. فيقول : (ويوم يعرض الذين كفروا على الناس أذهبتكم طيِّباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزَوْن عذاب الهَوْن بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) .
وفي هذه الآية الكريمة يستوقف القرآن العقل البشري ليتأمّل ويفكّر في نعم الله عنده ، وكيف يجب أن يوظِّفها في الحياة .. وهو في المقطع الأخير من الآية يحمل على المستكبرين الذين يعيثون فيها بالظلم والفسوق والفساد والعصيان ، ويتوعّد أولئك المستكبرين بغير الحق ، بالذل والمهانة ، جزاء تكبّرهم وفسادهم في الأرض .. وفي هذا المفهوم دعوة إلى التواضع ، وأن يعرف الإنسان قدره ، ويخضع لإرادة الحق ، ويصلح في الأرض ، ولايفسق فيها ، وهي دعوة لإنقاذ الإنسان من استكبار الطاغوت ، وفساده في الأرض .
(واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ... ) .
وينتقل القرآن من الحديث عن الابن العاق المكذِّب ، إلى الحديث عن عاد ، قوم النبي هود (عليه السلام) ، الذين كانوا يسكنون منطقة الأحقاف ، وهي منطقة كثبان رملية ، تمتدّ من عُمان إلى حضرموت ، ويدعو النبيّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن يذكر لقومه (أهل مكة) قصة النبيّ هود وقومه ، الذي سبقه، وتلاه أنبياء مرسلون إلى أهل هذه البلاد ، فدعاهم إلى الإيمان بالله سبحانه ، والسير على نهجه القويم فكذّبوه ، ورفضوا دعوة الحق .. دعاهم وخاطبهم بخطاب العقل والإحساس الوجـداني والعاطفي الصادق ليشعرهم بالروح الإنسانية السامية التي تحملها الدعوة الإلهية .. لقد خاطبهم بقوله : (ألاّ تعبدوا إلاّ الله إنِّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
وكما يعرض القرآن لنا خطاب النبي هود (عليه السلام) لقومه ينقل لنا ايضاً ردّ قومه الذي يعكس تخلّفهم وعنادهم وجهلهم .
إنّهم مصرّون على عبادة الأوثان التي سمّوها آلهة ، وطلبوا منه ان يأتي بالعذاب الذي هدّدهم به إن هم أصرّوا على رفض دعوته .. نقل القرآن ردهم على النبي هود بقوله: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) .
ويرد النبيّ هود (عليه السلام) عليهم : إنما أنا نبيّ مرسل إليكم أبلغكم ما أرسلت به من عقيدة وأخلاق وشريعة وقانون ، لإنقاذكم من الظلمات إلى النور ، ولأنذركم بالعذاب لمن عصى وكفر .. وإنّما عِلُم وقوعِ العذاب بكم هو عند الله سبحانه ..
ثم يواصل النبيّ هود (عليه السلام) ، حواره ، قائلاً : (ولكنِّي أراكم قوماً تجهلون ) .
إنّ منطقكم في الحوار ، وردّكم لرسالة الهداية والإصلاح ، وما يعود عليكم بالنفع والخير ، وطلبكم نزول العذاب متحدِّين قدرة الله ، وصِدْق البلاغ الذي اُوصلُه إليكم .. إنّ كل ذلك لدليل على جهلكم وعنادكم ..
وينتقل القرآن من ملتقى الحوار بين النبي هود (عليه السلام) ومن ضَلّ من قومه ، وأصرّ على الكفر والطغيان ، إلى نقل وقائع نزول العذاب ، جزاء كفرهم وعنادهم ، فيعرض صورة مجسِّدة معبِّرة أمام القارئ والمتلقي لذلك الوصف المرعب .. يصوِّر القرآن عاصفة العذاب .. الاعصار المدمِّر المتجه نحو أوديتهم فظنوه ، عن بُعد ، سحاباً سيمطرهم ويزيدهم خِصباً ورفاها : (... قالوا هذا عارض ممطرنا ) .
ويعقِّب القرآن بما واجههم من حقيقة الموقف إذ لم يكن سحاباً ممطراً : (... بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) .
إنّه العذاب الذي طلبتموه عاجلاً من النبي هود (عليه السلام) ، متحدِّين قدرة الله ، ومطالبين بنزول العذاب عليكم إن كان من الصادقين .. لقد هبّت العاصفة ، وهبط الأعصار من الأفق ليكتسح مداخل أوديتهم وقراهم ومساكنهم ، يدمِّر كل شيء يعترض طريقه .. لقد كانت كارثة الدمار والفناء لأولئك الطغاة ، فلم يبق منهم إلاّ مساكنهم خاوية بما ظلموا ، ونجّى الله هوداً (عليه السلام) ومَن معه من العذاب ، فلم يصبهم ذلك الأعصار ، حيث اعتزلوا في حظيرة ، بعيداً عن أولئك الطغاة .
تلك صورة من صور الانتقام الإلهي في عالم الدنيا يُحضرها القرآن أمام الإنسان المخاطب بالقرآن ، ليتّعظ بها .. ثم لا يكتفي القرآن بأن يعرض صورة العذاب ، ليتعامل معها الإنسان ، بل يستفز أولئك المجرمين الذين كذّبوا برسالة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويهدِّدهم بقوله : (كذلك نجزي المجرمين ) .. بأنّ هذا الجزاء سيحل بكل الذين يسلكون سلوك أولئك الذين جرت فيهم سنن العقاب الإلهي .