مقدمة:
هو عبد الله عمر ابن قيس بن زائدة بن الأصم ويقال: كان اسمه الحصين فسماه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عبد الله؛ واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة ابن عائذ بن مخزوم.
وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة، واسمها فاطمة.
أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده ابن أم مكتوم فقال: متى ذهب بصرُك؟...قال: وأنا غلام...فقال: قال الله تبارك وتعالى: إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة... وعندما نزل قوله تعالى: "لا يَسْتوي القَاعِدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سَبيلِ الله..."...سورة النساء (آية 95)...
قال عبد الله بن أم مكتوم:(أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري)...فأنزل الله: "غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ"...
فجُعِلَتْ بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول:(ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، و أقيموني بين الصّفَّين)...
إسلامه وهجرته:
أسلم قديما بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-
روى من طريق أبي إسحاق عن البراء قال: أول من أتانا مهاجرا مصعب بن عمير ثم قدم ابن أم مكتوم ـ ، فكانا يختلفان إلى الناس يقرآنهم القرآن ويفقهانهم في دين الله ـ ، وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يستخلفه على المدينة في عامَّة غزواته، يصلي بالناس. وقال الزبير بن بكار: خرج إلى القادسية فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذ
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
وقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمح في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد فلما أكثر عليه انصرف عنه عابس، وتركه فأنزل الله تعالى فيه عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي إنما بعثتك بشيرا ونذير، لم أخص بك أحدا دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصدين به لمن لا يريده.
نزل ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- على يهودية بالمدينة (عمّة رجل من الأنصار) فكانت تخدمه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرُفِعَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:(أمّا والله يا رسول الله إن كانت لّتُرْفِقُني - تخدمني - ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها)... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أبعدها الله تعالى، فقد أبطلتْ دَمَها )...
استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم له في المدينة:
قال ابن عبد البر: روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة في الأبواء وبواط وذي العشيرة، وغزوته في طلب كرز بن جابر، وغزوة السويق، وغطفان، وفي غزوة أحد، وحمراء الأسد، ونجران، وذات الرقاع، وفي خروجه من حجة الوداع، وفي خروجه إلى بدر، ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق.
موقف الوفاة:
وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم علي أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تديل دولتهم وتزيل ملكهم وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين فكتب إلى عماله يقول: لا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا وجهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال علي المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ وكان في جملة هؤلاء المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، أمر الفاروق علي الجيش سعد بن أبي وقاص وأوصاه وودعه ولما بلغ الجيش القادسية، برز عبد الله بن أم مكتوم من بين الصفوف لابساً درعه مستكملاً عدته وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونه، والتقي الجمعان في أيام ثلاثة قاسية عابثة واحترب الفريقان حرباً لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ودالت دولة من أعظم الدول، وزال عرش من أعرق العروش وهوت راية من رايات الوثنية وارتفعت ورفعت راية التوحيد، وسقط مئات من الشهداء وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعاً مدرجاً بدمائه قابضاً علي راية المسلمين..