[b][center]
رحل عنا ضيفٌ كريـــم، قد عرفنا معه لذة الطــاعة والقُرب من الرحمن .. إنه رمضــان الذي أيقظنا من غفلتنا وأحيا قلوبنا، ووهِبنا معه الخشوع والخضوع، ومُلأت قلوبنا بحب الله العظيــم ونبيه الكريم .. وكل قلب مؤمن يشعر بألم فراق
هذا الضيف الغالي ويخشى ألا نتقابل مرة أخرى معه ..
ويتساءل الكثيرون: كيف الثبـــــات على الطاعات بعد رمضـــان؟
وصايــــا هامة في فقه الطريق بعد رمضـــان ..
أولاً: احذر مكر الشيطـان المُصفد منذ شهر كامل .. فهو أعدى أعداءك وقد مُنع من كيده لك طوال شهر رمضــان، فسيعود بكل حقد وغِل لكي يوقعك بعده من خلال ثلاث طُرق:
1) أن يوقعك في الذنوب والتقصير لكي تيأس .. فبعد أن كنت عاهدت ربك على عدم الوقوع في الذنوب بعد رمضان، يجعلك تقع في هذه الذنوب لكي تيأس وتُحبط .. قال تعالى {.. وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29] .. كأن تُضيِّع صلاة الفجر، بعد أن كنت قد أقسمت على نفسك أن تُدرك جميع الصلوات في أول وقتها ..
فعليك أن تستدرك ما فـــاتك .. إذا أوقعك في ذنب، استدركه بالاستغفـــار والإستعاذة بالله من الشيطــان الرجيـــم .. وتحداه وأعزم على ألا يهزمك مرةً أخرى.
2) الإعجــــاب بالعمل لكي يحبـــط .. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث مُهلكــــات: هوى متبع وشح مطاع واعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن" [رواه البيهقي وحسنه الألباني] .. والعُجب هو سبب الإنتكاس والفتور الذي يحدث بعد رمضــان، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25]
وعلامة الإعجـــاب:: أن تتوقف عن العمل .. فيجعلك تكتفي بالأعمال التي قمت بها في رمضان ولا تزد عليها .. فاحذر!
3) الغرور وطول الأمل .. قال تعالى {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120] .. فيجعلك تركب بحر الأماني، ويُضيع منك الفرص بحجة أن هناك فرص أخرى كثيرة لكي تعوض ما فاتك .. بل لابد أن تتخذ القرار بالتغيير الحقيقي، لأن هذه هي علامة قبول رمضـــان.
لذا عليك أن تقف وقفة حساب ومُعاتبة مع النفس ..
وتضع خطة إيمانية لكي تستمر على الطاعات بعد رمضان، فتُحدد أهدافك الإيمانية التي ستعمل عليها من شوال حتى رمضان القادم إن شاء الله.
ولابد أن يكون هدفك واضح ومحدد وواقعي ..
قابل للقياس وليس مجرد شعارات .. فإن حددت أن تحفظ عدد مُعين من أجزاء القرآن هذا العام، لابد أن يكون مقدار حفظك مناسب لإمكانياتك وقدراتك .. فلا تقل سأحفظ جزء يوميًا مثلاً، ووقتك وقدراتك لا يسمحان بذلك فتقع في اليأس والإحباط.
آفات عليك أن تسعى لتطهَّير نفسك منها
عليك أن تُحدد ثلاث آفات وعادات سيئة تعاني منها .. وتحدد لها برنامج عملي دقيق للتخلص منها خلال الفترة القادمة، وتتضرع إلى الله عز وجلَّ كي يُخلصَّك من هذه الذنوب والآفات.
ومن الآفات التي عليك أن تسعى لتطهَّير نفسك منها ..
أ) التكاسل عن الطاعة .. فإذا عَلِمَت إنك متكاسل عن الطاعة، وأدركت إن الكسل من علامات النفاق كما قال تعالى {.. وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ..} [النساء: 142] .. تنشَّط واشحذ همتك كي لا تكون على هذا الخطر الكبير ..
واستدفع الكسل بهذا الدعاء .. الذي كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
ب) التباطؤ في الطاعات .. أو مَنْ وجد نفسه متباطئة في الطاعات جريئة على الفتن، وهو يعلم أن هذا من أسباب عذاب القبر؛ لأن العمل الفاجر يأتي صاحبه في القبر فيقول "أنا عملك الخبيث كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصيته فجزاك الله بشر" [صحيح الترغيب والترهيب] .. فلم يرضى بهذا الحال لنفسه وقرر أن يكون من المُسارعين في الخيرات.
جـ) الشُح .. وآخر وجد نفسه شحيحة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا" [رواه النسائي وصححه الألباني] .. فخاف على نفسه من الوقوع في الكفر، وقرر أن ينجح مع الله تعالى.
د) الريـــاء .. وهذا وجد إن نفسه تُحب أن يرى الناس أعمالها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" [صحيح الجامع (1555)] .. فيأخذ القرار بأن يُعلِّم نفسه الإخلاص، وهذا بأن يُخلِّص قلبه من إلتفاته للناس فلا يكون لهم وزن في قلبه ..
لذا يُكثِّر من أعمال السر .. التي لا يطلع عليها أحد سوى الله عز وجل ويدعو الله أن يرزقه الإخلاص.
هـ) الغفلة .. وهي السبب في الطبع الذي يحدث على القلب، فتقف في الصلاة ولا تفقه شيئًا مما يُقال .. قال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]
ولقد جــاء علاج الغفلة في الآية التي تليها .. فقال تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] .. فتعرَّف على ربك عز وجلَّ من خلال معرفة أسمائه وصفاته، لكي تتحطم الأقفال التي على قلبك وتُخرِّج الدنيا التي طبعت عليه منه.
ثانيـــًا: الخوف من عدم القبـــول هو طريقك إلى القبــول ..
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فعليك أن تكون دائم الخوف من عدم القبول وتُكثِّر من الدعــــاء أن يتقبَّل الله منك عملك.
ثالثًا: الثبــــات على الطاعــــات بعد رمضان ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك" [صحيح الجامع (2152)] .. لذا تجد نفسك غير قادرًا على المواظبة على الطاعات التي كنت تقوم بها في رمضان ..
ولمواجهة الفتور الذي يحدث بعد رمضـــان ..
1) عليك أن تداوي قلبك بالإستماع إلى القرآن الكريم والمواعظ .. قال تعالى {..وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 66,68] .. فتكون سببًا في إزالة الغفلة والطبع الذي على القلب.
2) العلم والتوحيـــــد .. يقول الله عز وجلَّ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19] .. وعليك أن تُكثر من الثناء عليه ومدحه سبحانه، فإن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 51] .. فالإستقامة تأتي من معرفتك بالله جلَّ وعلا.
3) الإخلاص وتطهير القلب من أي شيء سوى الله جلَّ وعلا ..
4) تجديد التوبة والإنــــابة .. فالتوبة هي أول منازل العبودية وأوسطها وآخرها، وبعد أي عمل لابد أن تتوب من تقصيرك فيه .. كما إن الذنوب هي سبب الوقوع وعدم الثبــات على الطاعة، وبتجديد التوبة يوفقك الله عز وجلَّ للهداية بعد رمضــان .. كما في قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
5) الشكر .. يقول تعالى {.. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .. فالشكر سيحميك من الإنتكاس ..
فعليك بإدمـــان الحمد .. عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أن أعرابيًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به، قال "قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله" [رواه البيهقي وحسنه الألباني]
6) حسِّن خُلقك .. وتحلى بالحلُم في معاملة الناس حتى وإن أساؤوا إليك .. فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإستقامة وحُسن الخلق حينما أوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال "استقم وليحسن خلقك" [رواه ابن حبان وحسنه الألباني] .. وقال صلى الله عليه وسلم "إن المسلم المسدد (أي: المُستقيـــم) ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته" [صحيح الجامع (1949)]
7) إستقـــامة اللســـان .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه .." [رواه أحمد وحسنه الألباني]
الإستقامة على أعمال صالحة دائمة .. وكلما زادت أورادك الثابتة التي تستديم عليها، أرتقت منزلتك عند الله جلَّ وعلا ..
وإذا أردت الإستقامة، لُذ بالحي القيــــوم كي يُقمك على دربه،،
ها هو رمضـــان يُنـــاديــــك: أرجـــوك لا تتركني .. بعد أن تذوقت معه لذة الصيـــام والقيــــام وتلاوة القرآن والقُرب من الرحمن ..
فإيـــــــاكم أن تتركوه .. وأحذرو أخى وأختى أن يُضلكم الشيطــــان عن الطريــــــــــق !!
*
*
*
اللهم إنى أسألك علما نافعاً
ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً
اللهم آمين
رحل عنا ضيفٌ كريـــم، قد عرفنا معه لذة الطــاعة والقُرب من الرحمن .. إنه رمضــان الذي أيقظنا من غفلتنا وأحيا قلوبنا، ووهِبنا معه الخشوع والخضوع، ومُلأت قلوبنا بحب الله العظيــم ونبيه الكريم .. وكل قلب مؤمن يشعر بألم فراق
هذا الضيف الغالي ويخشى ألا نتقابل مرة أخرى معه ..
ويتساءل الكثيرون: كيف الثبـــــات على الطاعات بعد رمضـــان؟
وصايــــا هامة في فقه الطريق بعد رمضـــان ..
أولاً: احذر مكر الشيطـان المُصفد منذ شهر كامل .. فهو أعدى أعداءك وقد مُنع من كيده لك طوال شهر رمضــان، فسيعود بكل حقد وغِل لكي يوقعك بعده من خلال ثلاث طُرق:
1) أن يوقعك في الذنوب والتقصير لكي تيأس .. فبعد أن كنت عاهدت ربك على عدم الوقوع في الذنوب بعد رمضان، يجعلك تقع في هذه الذنوب لكي تيأس وتُحبط .. قال تعالى {.. وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29] .. كأن تُضيِّع صلاة الفجر، بعد أن كنت قد أقسمت على نفسك أن تُدرك جميع الصلوات في أول وقتها ..
فعليك أن تستدرك ما فـــاتك .. إذا أوقعك في ذنب، استدركه بالاستغفـــار والإستعاذة بالله من الشيطــان الرجيـــم .. وتحداه وأعزم على ألا يهزمك مرةً أخرى.
2) الإعجــــاب بالعمل لكي يحبـــط .. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث مُهلكــــات: هوى متبع وشح مطاع واعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن" [رواه البيهقي وحسنه الألباني] .. والعُجب هو سبب الإنتكاس والفتور الذي يحدث بعد رمضــان، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25]
وعلامة الإعجـــاب:: أن تتوقف عن العمل .. فيجعلك تكتفي بالأعمال التي قمت بها في رمضان ولا تزد عليها .. فاحذر!
3) الغرور وطول الأمل .. قال تعالى {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120] .. فيجعلك تركب بحر الأماني، ويُضيع منك الفرص بحجة أن هناك فرص أخرى كثيرة لكي تعوض ما فاتك .. بل لابد أن تتخذ القرار بالتغيير الحقيقي، لأن هذه هي علامة قبول رمضـــان.
لذا عليك أن تقف وقفة حساب ومُعاتبة مع النفس ..
وتضع خطة إيمانية لكي تستمر على الطاعات بعد رمضان، فتُحدد أهدافك الإيمانية التي ستعمل عليها من شوال حتى رمضان القادم إن شاء الله.
ولابد أن يكون هدفك واضح ومحدد وواقعي ..
قابل للقياس وليس مجرد شعارات .. فإن حددت أن تحفظ عدد مُعين من أجزاء القرآن هذا العام، لابد أن يكون مقدار حفظك مناسب لإمكانياتك وقدراتك .. فلا تقل سأحفظ جزء يوميًا مثلاً، ووقتك وقدراتك لا يسمحان بذلك فتقع في اليأس والإحباط.
آفات عليك أن تسعى لتطهَّير نفسك منها
عليك أن تُحدد ثلاث آفات وعادات سيئة تعاني منها .. وتحدد لها برنامج عملي دقيق للتخلص منها خلال الفترة القادمة، وتتضرع إلى الله عز وجلَّ كي يُخلصَّك من هذه الذنوب والآفات.
ومن الآفات التي عليك أن تسعى لتطهَّير نفسك منها ..
أ) التكاسل عن الطاعة .. فإذا عَلِمَت إنك متكاسل عن الطاعة، وأدركت إن الكسل من علامات النفاق كما قال تعالى {.. وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ..} [النساء: 142] .. تنشَّط واشحذ همتك كي لا تكون على هذا الخطر الكبير ..
واستدفع الكسل بهذا الدعاء .. الذي كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
ب) التباطؤ في الطاعات .. أو مَنْ وجد نفسه متباطئة في الطاعات جريئة على الفتن، وهو يعلم أن هذا من أسباب عذاب القبر؛ لأن العمل الفاجر يأتي صاحبه في القبر فيقول "أنا عملك الخبيث كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصيته فجزاك الله بشر" [صحيح الترغيب والترهيب] .. فلم يرضى بهذا الحال لنفسه وقرر أن يكون من المُسارعين في الخيرات.
جـ) الشُح .. وآخر وجد نفسه شحيحة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا" [رواه النسائي وصححه الألباني] .. فخاف على نفسه من الوقوع في الكفر، وقرر أن ينجح مع الله تعالى.
د) الريـــاء .. وهذا وجد إن نفسه تُحب أن يرى الناس أعمالها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" [صحيح الجامع (1555)] .. فيأخذ القرار بأن يُعلِّم نفسه الإخلاص، وهذا بأن يُخلِّص قلبه من إلتفاته للناس فلا يكون لهم وزن في قلبه ..
لذا يُكثِّر من أعمال السر .. التي لا يطلع عليها أحد سوى الله عز وجل ويدعو الله أن يرزقه الإخلاص.
هـ) الغفلة .. وهي السبب في الطبع الذي يحدث على القلب، فتقف في الصلاة ولا تفقه شيئًا مما يُقال .. قال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]
ولقد جــاء علاج الغفلة في الآية التي تليها .. فقال تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] .. فتعرَّف على ربك عز وجلَّ من خلال معرفة أسمائه وصفاته، لكي تتحطم الأقفال التي على قلبك وتُخرِّج الدنيا التي طبعت عليه منه.
ثانيـــًا: الخوف من عدم القبـــول هو طريقك إلى القبــول ..
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فعليك أن تكون دائم الخوف من عدم القبول وتُكثِّر من الدعــــاء أن يتقبَّل الله منك عملك.
ثالثًا: الثبــــات على الطاعــــات بعد رمضان ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك" [صحيح الجامع (2152)] .. لذا تجد نفسك غير قادرًا على المواظبة على الطاعات التي كنت تقوم بها في رمضان ..
ولمواجهة الفتور الذي يحدث بعد رمضـــان ..
1) عليك أن تداوي قلبك بالإستماع إلى القرآن الكريم والمواعظ .. قال تعالى {..وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 66,68] .. فتكون سببًا في إزالة الغفلة والطبع الذي على القلب.
2) العلم والتوحيـــــد .. يقول الله عز وجلَّ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19] .. وعليك أن تُكثر من الثناء عليه ومدحه سبحانه، فإن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 51] .. فالإستقامة تأتي من معرفتك بالله جلَّ وعلا.
3) الإخلاص وتطهير القلب من أي شيء سوى الله جلَّ وعلا ..
4) تجديد التوبة والإنــــابة .. فالتوبة هي أول منازل العبودية وأوسطها وآخرها، وبعد أي عمل لابد أن تتوب من تقصيرك فيه .. كما إن الذنوب هي سبب الوقوع وعدم الثبــات على الطاعة، وبتجديد التوبة يوفقك الله عز وجلَّ للهداية بعد رمضــان .. كما في قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
5) الشكر .. يقول تعالى {.. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .. فالشكر سيحميك من الإنتكاس ..
فعليك بإدمـــان الحمد .. عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أن أعرابيًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به، قال "قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله" [رواه البيهقي وحسنه الألباني]
6) حسِّن خُلقك .. وتحلى بالحلُم في معاملة الناس حتى وإن أساؤوا إليك .. فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإستقامة وحُسن الخلق حينما أوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال "استقم وليحسن خلقك" [رواه ابن حبان وحسنه الألباني] .. وقال صلى الله عليه وسلم "إن المسلم المسدد (أي: المُستقيـــم) ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته" [صحيح الجامع (1949)]
7) إستقـــامة اللســـان .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه .." [رواه أحمد وحسنه الألباني]
الإستقامة على أعمال صالحة دائمة .. وكلما زادت أورادك الثابتة التي تستديم عليها، أرتقت منزلتك عند الله جلَّ وعلا ..
وإذا أردت الإستقامة، لُذ بالحي القيــــوم كي يُقمك على دربه،،
ها هو رمضـــان يُنـــاديــــك: أرجـــوك لا تتركني .. بعد أن تذوقت معه لذة الصيـــام والقيــــام وتلاوة القرآن والقُرب من الرحمن ..
فإيـــــــاكم أن تتركوه .. وأحذرو أخى وأختى أن يُضلكم الشيطــــان عن الطريــــــــــق !!
*
*
*
اللهم إنى أسألك علما نافعاً
ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً
اللهم آمين