قصة كفاح أم رائعة
كانت نادية فتاة صغيرة وجميلة جدا وبها من الصفات الحسنة
الكثير لكنها غير متعلمة فهي لا تعرف إلا أن تكتب اسمها وبعض
الكلمات البسيطة وقد أعجب بها الكثير وتقدم لخطبتها أكثر من
شخص وهي لا تزيد عن الخمسة عشر عاما وقد اختارت من بينهم
الأسطى سيد وهو يعمل نجارا ولكن إمكانياته المادية محدودة جدا
وخلال الست سنوات الأولى من الزواج قد رزقهم الله باربع أبناء (نادر
ومحمود وخالد وجمال) وقد زادت الأعباء بزيادة عدد الأسرة وزيادة
احتياجاتها، ففكر الوالد في السفر بحثا عن طلب الرزق بإذن الله وتوفير
حياة أفضل لأسرته وبرغم صعوبة هذا القرار على الجميع إلا أنهم لم
يجدوا حلا أفضل من ذلك ، وقد سافر الوالد وبدأ رحلته مع العمل بالخارج
ولكنه كان دائما يحرص على الاطمئنان على اسرته وارسال مبالغ
كثيرة مع اصحابه العائدين من الخارج من وقت لآخر، ثم عاد الأسطى
سيد في أول اجازة له وعادت معه الفرحة والطمأنينة وروح الأسرة،
ولم ينسى هذا الرجل الطيب أن يشترى لأولاده كل ما يسعدهم ويوفر
لهم الراحة والأمان وقد جدد كل شيء في المنزل، وجاءت اللحظة
الصعبة وهي لحظة الفراق المريرة ، فقد سافر الاب وترك زوجته
وأولاده من جديد ، تركهم وهو مطمئن فهم هذه المرة معهم الكثير
من المال وسبل الراحة، ثم انقطعت أخباره لفترة طويلة وبدا القلق
يسكن في قلوب جميع الأهل والأقارب والكل يحاول أن يعرف عنه
أي أخبار ولكن للأسف لم يتمكن أحد من ذلك، حتى جاءت اللحظة
التي نفذ فيها كل ما لديهم من مال ، حاول بعض الأقارب أن يساعدوا
نادية وهي ترفض بشدة أن تمد يدها لأحد وبدأت في بيع شيئا فشيئا
من الأجهزة التي تعتبر وقت الحاجة أدوات ترفيهية فقد باعت
التليفزيون والفيديو وغيرها من الأجهزة واساس المنزل، وكانت
تبحث عن مصدر رزق يوفر لها قوت يومها هي وأولادها
وخصوصا بعد دخول أولادها مراحل التعليم المختلفة فهي لم
تتنازل عن تحقيق حلمها وهو تعليم أبنائها إلى أن سمعت عن
معهد لتعليم الخياطة بمبلغ رمزي جدا وفي مدة بسيطة لا تزيد
عن شهر ونصف وكانت تترك أبنائها عند خالتهم وتذهب وتحاول
أن تتعلم في اليوم الواحد ما يتعلمه غيرها في شهر حتى أنتهت فترة
التعليم وأشترت ماكينة خياطة وبدأت بالتفصيل للأهل والأقارب
وهي لم تنسى زوجها وتنتظر أخباره يوما بعد يوم، ومرت سنين
طويلة قد تزيد عن (15) عام وخلال هذه الفترة قد كبر الأولاد
وأصبحوا شباب فالأول والثاني في المرحلة الجامعية والثالث
والرابع في المرحلة الثانوية ، وهنا لم ينسوا الأبناء فضل أمهم
عليهم وكانوا يحاولون أن يعملوا أثناء الأجازات في بعض الحرف
البسيطة وبأجر بسيط لأنهم يتألمون ويحزنون لحال أمهم، كما
أنهم كانوا مقدرين عدم وجود أخت لهم فكانوا يساعدوا والدتهم
في أعمال المنزل قدر الإمكان، وكيف لا وهي الأم والأب والأخت
والصديقة وكل شيء في حياتهم، وكان أبنها الثاني محمود دائما يفكر
في التوصل إلى حل قاطع لإنهاء عمل أمه لأنه يشعر بها وبتعبها جدااا،
حتى توصل لحل وهو أن يأخذ عاما دراسيا ويتوقف عن التعليم عام،
وخلال السنة والأربع شهور الأجازة كان يعمل في محلات بيع ملابس
وكان يومه في العمل طويل جدا ولكنه لم يشعر بهذا لأن أهدافه نبيلة
وهي راحة والدته وتكملة اخواته للتعليم حتى تخرج جميع الأبناء من
الجامعة وهو ما زال يكمل دراسته وبداخله رضا نفسي كبير،
ثم مر حوالي (10) سنوات آخرين وكبرت الأم ولكنها كانت تشعر
بأنها أجمل إمرأة في العالم بوجود أولادها الرائعون فقد أصبح الأبن الأول
محامي والثاني محاسب والثالث والرابع مدرسين، وما زالت الأم تفكر
ولكن هذه المرة لم تفكر في غياب زوجها فهو بالنسبة لها قد أصبح
ذكرى باهتة ولكن ما كان يشغلها هو مواصلة رحلتها والإطمئنان
على أولادها فهي تتمنى كأي أم أن تفرح بأبنائها وترى أولادهم
وسبحان الله الحنان المنان الذي لا يرد لعبده الصالح رجاءً فقد تزوج
الأبناء وأخذ محمود والدته لتعيش معه فهو أحن أبنائها عليها
وحدثت المفاجآة
لقد عاد الأب ، عاد الرجل العجوز يبحث عن زوجته وأولاده
وكأنه لم يفعل شيئا وسمعت الأم عن مجيئه ورفضت رفضا شديدا
أن تقابله أو يأتي لزيارتها وأخذ منه أولاده موقفا لا ينسى ولكن
بإقناع باقي العائلة لهم وبمعرفة أسباب غياب الوالد التي لم يقتنع
بها أحد من الأولاد ولكنهم تعاطفوا معه عندما وجدوه منبوذا بين
الجميع، وتذكروا قول الله تعالى ببر الوالدين وأخذوه للمنزل القديم
والذي يحمل كل الذكريات الجميلة والمؤلمة وكان من وقت لآخر
يتردد عليه الأبناء حرصا على رعايته إلى أن توفى الحاج سيد من
حوالي ثلاث سنوات ولم يمر أكثر من ستة أشهر وتوفيت الأم العظيمة
ولكن عطائها لم ينتهى بوجود أبناء أفاضل لديهم الكثير من القيم
والأخلاق الحميدة
أسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويعلي درجتها في الجنة ..اللهم أمين
بقلمي